elfnan
عدد المساهمات : 456 تاريخ التسجيل : 07/10/2009 العمر : 63
| موضوع: أوضاع معلمي المدارس في عهد السوق الحر الثلاثاء نوفمبر 17, 2009 10:50 pm | |
| المدرسون في الأرض أوضاع معلمي المدارس في عهد السوق الحر
المادة التي تقدمها الصحف -الحكومية والمعارضة على حد سواء- حول التعليم والطلاب وأحوال القضية على أنها معركة بين الطالب والمدارس. فمن ناحية أولى نشطت الصحف في الشهور الأخيرة – بالذات قبل قرار وزير التعليم "بمكافحة" الدروس الخصوصية! – في حملة ضد المدرسين "مصاصي الدماء الذين يسرقون قوت وعرق الأسرة المصرية". وفي إطار الحملة وصف المدرسون بكل الصفات القبيحة التي يمكن أن يوصف بها مجرمون عتاة: مرتشون، مغتصبون، بلطجية.. والقائمة طويلة.
ومن ناحية ثانية، وفي حملة أخرى موازية، غذت الصحف الاتجاه بالفرقعة الإعلامية التي شاهدنا فصولها على مدى شهور العام الماضي حول العنف وبلطجة التلاميذ ضد المدرسين. وأصبح الوهم سائدًا بأن طلاب مصر يحملون السنج والمطاوي ليطاردوا بها مدرسيهم في الحصص والفسح وبعد انتهاء اليوم الدراسي. وهكذا اكتملت الصورة التي تحب البرجوازية أن تقنعنا بها: مدرسين مستغلين معدومي الضمير في موجهة طلاب بلطجية فتوات!! وتستمر المعركة التي يدافع فيها الرجعيون – بالطبع – عن الأخلاق الحميدة، عن عودة "أخلاق القرية" والنظام إلى الأسرة والمدرسة.
ولكن الحقيقة التي تختفي خلف كله هي مسئولية سياسات السوق التي تتبعها الرأسمالية المصرية عن أزمة التعليم وأزمة المدرسين. المواجهة المفتعلة بين الطالب والمدرس تخلقها السياسات التي تربط مصير التعليم بمصالح الرأسماليين الذي يبحثون عن سوق عمل متوافق مع احتياجاتهم في التراكم والربح. وحتى نفهم أسباب هذه المواجهة المفتعلة أفضل، وحتى نفهم موقع المدرسين في المشروع الاشتراكي الثوري، علينا أن نبدأ من فهم بعض الحقائق عن مدرسي مصر.
ما هو عدد المدرسين في مصر؟
مثلما هو الحال بالنسبة لكل ما يتعلق بالأرقام والإحصائيات في "بلدنا السعيد"، يعد الحصول على أرقام صحيحة يعتد بها المستحيلات في ظل تلاعب الحكومة بالأرقام وتزييفها. وبالتالي فقد كان الحصول على العدد الحقيقي للمدرسين في مصر هو أحدى المعضلات التي واجهتنا عند كتابة هذا التحقيق. حيث تختلف التقديرات لأعداد المدرسين في مختلف المراحل التعليمية بدون وجود رقم كلي لأعدادهم وبدون التأكد من أن هذه الأرقام تتضمن مدرسي المدارس الخاصة. طبقًا لتقديرات المدرسين أنفسهم يصل العدد الكلي للمدرسين في مصر إلى 800 ألف مدرس، لكن بجمع أعداد المدرسين في المراحل المختلفة (طبقًا لأرقام وزارة التربية والتعليم) نجد أن العدد الكلي للمدرسين في مصر في عام 1998 يقدر ب 708798 مدرس بدون حساب مدرسي المدارس الأزهرية.
أما عن تقسيم هذا العدد بين المراحل التعليمية المختلفة، فنجد أن عدد المدرسين في المرحلة الابتدائية يقدر ب 310116 بنسبة 44%، أما المرحلة الإعدادية فيبلغ عدد مدرسيها 186572 بنسبة 26% تقريبًا، والمرحلة الثانوية يبلغ عدد مدرسيها 73046 بنسبة 10% تقريبًا، أما الثانوي الصناعي فيبلغ عدد مدرسيه 80409 بنسبة 11%، والثانوي الزراعي 13449 مدرس بنسبة 2% تقريبًا، أما الثانوي التجاري فيبلغ عدد مدرسيه 45206 بنسبة 6.5% بالتقريب.
وبمتابعة تطور أعداد المدرسين في مصر، نجد أ، عددهم قد تضاعف بما يقترب من الست أضعاف في الفترة بين سنة 1960 وسنة 1998. ففي العام الدراسي 60 – 61 كان عددهم 123 ألف مدرس، زاد إلى 232 ألف مدرس في العام الدراسي 70 – 71، ثم إلى 448 ألفًا في 1990، حتى وصل إلى 700 ألف على الأقل في الوقت الحالي.
نلاحظ من الأرقام السابقة أن المرحلة الابتدائية تحظى بالعدد الأكبر من مدرسي مصر، هذا على الرغم من تناقص تصيب المرحلة الابتدائية في ميزانية التعليم والذي كان 49.2% من الإجمالي في العام الدراسي 59 – 60، ثم تقلص إلى 38.3% في العام الدراسي 80 – 81، ثم تقلص بعد ذلك بشكل هائل خاص مع إلغاء السنة السادسة الابتدائية. وهذا يعني بالضرورة التدهور النسبي لأحوال مدرسي هذه المرحلة الذين، رغم تزايد أعدادهم، يتراجع وضعهم. نلاحظ أيضًا أن السنوات التي فيها عدد المدرسين في مصر بشكل كبير هما عقدا الستينات والتسعينات وتفسير ذلك واضح.
ففي الحقبة الناصرية اهتمت الحكومة بالتعليم كأداة أساسية لإخراج كوادر قادرة على تنفيذ مشروع التنمية المستقلة واستكمال التحول نحو الرأسمالية. ومنذ بداية التسعينات وحتى 1998 زاد عدد المدرسين بما يقدر ب 260391 وذلك لتلبية احتياجات الرأسمالية المصرية، في عصر السوق الحر والخصخصة، من الأيدي العاملة الماهرة المدربة حتى تستطيع تحسين ميزاتها النسبية في السوق الرأسمالي العالمي) عن طريق الاستعانة بالعمالة الرخيصة.
وفي هذا السياق نجد أن الاهتمام بالمرحلة الابتدائية له ما يبرره، فضمان إتقان التلاميذ للقراءة والكتابة هو الخطوة الأولى لضمان وجود أيدي عاملة على درجة مقبولة تستطيع التعامل مع الآلات الحديثة.
وفي سياق الرغبة والاحتياج لأيدي عاملة متعلمة ورخيصة، نستطيع أن نفهم الاهتمام الشديد الذي تحظى به قضايا التعليم في مصر وما يصحب هذا من دعاية مكثفة في جميع وسائل الإعلام حول تطوير التعليم، تطوير المدارس، مكافحة الدروس الخصوصية... الخ، وفي الحقيقة، كان أول المتأثرين بسياسات الإصلاح هذه هم المدرسين، حيث يعدون بالفعل عصب هذه العملية وحيث اتخذت الكثير من القرارات التي أثرت على أضاعهم بشكل مباشر.
صورة حية لأوضاع المدرسين في مصر:
في البداية لابد من الإشارة إلى أن هناك تباين طبقي واضح في أوضاع المدرسين في مصر، حيث تتميز قلة من هذه الفئة بظروف مادية وأدبية أفضل بشكل كبير كنتيجة لاختلاف ظروف المراحل التعليمية المختلفة أو للاختلافات بين أوضاع المدارس (خاصة – حكومية – استثمارية) وأيضًا لاختلاف المستوى التعليمي بين المدرسين وهو الأمر الذي ينعكس على أوضاعهم المادية والأدبية. وفي هذا السياق لا نستطيع أن ندعي أن هناك تماثلاً تامًا في أوضاع المدرسين في مصر، بل يمكن أن نقول أن هناك أوضاعًا عامة يشترك فيها الجميع، تستثني منها أقلية محدودة من المدرسين الأغنياء.
هذه الحقيقة تتضح إذا نظرنا إلى الصورة الحية لظروف المدرسين وشروط عملهم. بداية، بالنسبة لأجور المدرسين نجد أن أو تعيين للمدرس يتراوح ما بين 90 إلى 105 جنيه، يصلوا إلى 150 جنيه تقريبًا بعد إضافة الحوافز، والبدلات. هذا بالإضافة للمكافآت التي تعد أهمها مكافأة الامتحانات حيث تصل إلى 170 يوم على الأجر الأساسي والتي تصل بعد الخصومات إلى 150 يوم وهي أيضًا لم تزد منذ 4 سنوات. وللمقارنة نذكر أن أساتذة الجامعات يحصلون على 150 يوم مكافأة امتحانات.
ومع بداية العام الدراسي الحالي تم استبدال الحوافز والبدلات ب 25% زيادة في المرتب الأساسي، ولكن حتى الآن لم يحصل عليها المدرسون. الأدهى من ذلك أنه في حالة بعض المدرسين ستؤدي هذه الزيادة إلى نقصان دخلهم نظرًا لأنها تقل عن ما كانوا يحصلون عليه من حوافز وبدلات وهكذا يتحدث وزير التعليم دائمًا عن زيادة أجور المدرسين دون أن يشير على أن زيادة الأجر الأساسي تقابلها تخفيضات في الأجور المتغيرة.
وفي إحدى المدارس الإعدادية الحكومية يؤكد المدرسون أن أجر المدرس بعد 10 سنوات خدمة يصل على 170 جنيه وبعد 14 سنة إلى 190 جنيه، وبالتالي، والكلام على لسان المدرسين: "فهناك الكثير منا الذين لا يستطيعون الزواج نظرًا لتدني دخلهم، خاصة في حالة عدم إعطائها دروسًا خصوصية". الغريب في الأمر أن المدرسين في المدارس الحكومية والصناعية، يشتركون مع مدرسي العديد من المدارس الخاصة في هذه الحالة، حيث كان الاعتقاد السائد أن الأجور في المدارس الخاصة أعلى. ويفسر أحد المدرسين في واحدة من المدارس الخاصة الشهيرة هذا بقوله "الناس تتهافت على العمل في المدرسة وذلك لسمعة المدرسة الجيدة التي تعني أنها تختار أفضل المدرسين وبالتالي فالطلب على مدرسيها لإعطاء الدروس الخصوصية يكون عالي ومن طلبة عدة مدارس أخرى". وفيما يتعلق بالمعاش ومكافأة ترك الخدمة يقول أحد المدرسين: "بعد 35 سنة خدمة يصل المعاش إلى 300 جنيه والمكافأة إلى 2000 جنيه – حيث يحسب المعاش حسب المرتب الأساسي الأخير وبدون أي إضافات.
وإلى اختلاف مدارسهم والمراحل التي يدرسون بها أكد جميع المدرسين الذين التقينا بهم على أن مرتب المدرس، بالإضافة إلى الحوافز والعلاوات... الخ لا يكفي لإعاشة المدرس ناهيك عن قيامه بتكوين أسرة وبالتالي – كما أكد المدرسون – فلجوء المدرسين الفقراء لإعطاء الدروس الخصوصية هو أمر مفرض عليهم حتى يحصلوا على الحد الأدنى للحياة. يعلق أحد المدرسين على موضوع الدروس الخصوصية قائلاً: الدروس إهانة للمدرس، لكنه يضطر للجوء إليها، فلو كان دخل المدرس يكفيه لاكتفى به بدلاً من أن يضطر للخروج من المدرسة إلى الدرس بدون أن يجد الوقت للراحة أو للاستمتاع بحياته حيث أصبح المدرس يعمل من الصباح إلى المساء مثل الآلة." ويضيف المدرسون، خاصة في المدارس الحكومية، أن هذا الوضع المتدني يضطر المدرسين إلى امتهان أشغال أخرى بجانب التدريس، فيعمل بعضهم سائقي تاكسي، يمتلك البعض أو يعمل في محال تجارية صغيرة.. الخ.
وبالنسبة للإجازات، فهي ممنوعة على المدرسين خلال فترة الدراسة، حتى الأجازات المرضية فهي ممنوعة لوجود تعليمات لدى أطباء التأمين الصحي بعدم إعطاء أجازات إلا في حالات الضروري القصوى. وبالنسبة للأجازات الاعتيادي فلا يمكن الحصول عليها إلا بعد انتهاء العام الدراسي وفي ظل امتداد العام الدراسي وامتحانات الدور الأول والثاني والتصحيح والمراقبة، لا يبقى للمدرس أسبوع واحد يستطيع الحصول فيه على أجازته.
إصلاح التعليم وأثره على أوضاع المدرسين:
لا يمكن فهم أوضاع الغالبية الساحقة من المدرسين في مصر الآن بدون ضعها في سياقها الأشمل من حيث السياسات التي تنتهجها الدولة حاليًا لإصلاح النظام التعليمي. فإذا نظرنا إلى مجموعة القرارات التي اتخذتها الدولة مؤخرًا لإصلاح التعليم لوجدنا أن معظمها يؤثر بشكل أساسي على المعلم. حيث نجد قرارات بمنع الدروس الخصوصية، تشجيع مجموعات التقوية، إلغاء أعمال السنة، منع الضرب في المدارس، تحديد نسب النجاح مسبقًا بشكل غير معلن لبعض المراحل الدراسية وخاصة الابتدائي. كل هذه القارات المتلاحقة أثرت بشكل واضح على حياة الآلاف من المدرسين وعلى وعيهم وصورتهم عن أنفسهم. فلم تعد فكرة المعلم عن نفسه أنه المربى الذي يقوم بدور حقيقي في تربية النشء وبث المعرفة فيهم، بل أصبح المدرس يرى مهنته8 مجرد وسيلة وبث المعرفة فيهم، بل أصبح المدرس يرى مهنته مجرد وسيلة لكسب العيش وبالتالي يحاول تحقيق أكبر ربح منها.
وإذا كنا نرى أن ما يحدث من تدهور في هذه المهنة ناتج بالأساس من الظروف السيئة التي يعاني منها المدرسون، حيث أصبحوا واقعين بين المطرقة والسندان، إلا أن هذا لا يجب أن يجعلنا نغفل عمًا تسببه هذه الضغوط من آثار سلبية على وعي المدرسين. فبدلاً من أن تدفعهم أوضاعهم الطبقية المتدنية – التي تقارب ظروف الطبقة العاملة – لتبني قيمًا وأفكار أكثر تقدمية، نجد أن هذه الضغوط تدفع بهم أحيانًا كثيرة للوراء، وتؤدي بهم للوقوع أسرى للأفكار الرجعية، مؤججة داخلهم تناقضات شبيهة بتناقضات الطبقة الوسطى.
في هذا السياق يمكن أن نفهم الآثار التي أنتجها قرار منع الدروس الخصوصية واستبدالها بمجموعات التقوية، لكن قبل الحديث عن آثار هذا القرار علينا أن نلاحظ أن هناك العديد من الحقائق الغائبة عند الحديث عن الدروس الخصوصية.
لعل أهم هذه الحقائق هو التباين الكبير في دخول المدرسين ممن يعطون دروسًا خصوصية ووجود مواد خارج دائرة هذه الدروس مثل التربية الموسيقية، التربية الفنية، الزراعية، الخ.. أما الأهم من هذا فهم أن الدروس الخصوصية خاضعة بدرجة عالية للأوضاع الطبقية للمدرسين وللطلبة. فإذا نظرنا للمدارس الصناعية نجد أنه ما بين 60% إلى 70% من مدرسيها يعطون دروسًا كما يؤكد أحد المدرسين في واحدة من هذه المدارس. وتختلف أسعار هذه الدروس التي تصل مدتها إلى 3 ساعات في المتوسط للدرس الواحد، فهناك مدرس يعطي 6 حصص في الشهر ب 12 جنيه للطالب، والبعض الآخر يأخذ 25 جنيه في الأربع حصص شهريًا، حيث يجب علينا ملاحظة المستوى الطبقي لهؤلاء الطلبة والذي لا يسمح بأكثر من هذا. ونظرًا لوجود فائض من المدرسين في المدرسة فهناك تنافس فيما بينهم يؤدي لخفض أسعار الدروس ومحاولة كل منهم اجتذاب الطلبة، حتى أن بعض المدرسين يلجأ "لتقسيط" الطلبة في التيرم الأول لضمان إقبالهم على الدروس!
ولا يعتبر مدرسي المدارس الحكومية في المناطق الفقيرة أفضل حالاً، فنظرًا لانخفاض المستوى الطبقي للطلبة بهذه المناطق بنفس درجة المدارس الصناعية تقريبًا، نجد أن المدرس يحصل على ما يتراوح بين 20 إلى 25 جنيه في الأربع حصص شهريًا، أما متوسط ما يحصل عليه من الدروس الخصوصية فيتراوح ما بين 300 إلى 400 جنيه شهريًا. أما في الصعيد، فيؤكد أحد المدرسين أن الدرس يكون يوميًا ويحصل المدرس على مبالغ ضئيلة تتراوح ما بين 3 إلى 5 جنيهات في الشهر.
أما الشريحة المحظوظة من المدرسين فهم مدرسو الثانوي ومدرسو المدارس الخاصة ومدارس اللغات؛ فبعض هؤلاء يحصلون على أرقام فلكية في الدروس الخصوصية ويحققون أرباحًا خيالية. حيث تصل الحصة إلى 40 جنيه أو أكثر وغالبًا ما تكون مدتها ساعة فقط. ويختلف السعر تبعا لعدد الطلبة في الدرس وللمادة التي يتم تدريسها ولسمعة المدرس، فهناك مدرسون يعتبرون نجومًا في موادهم وبالتالي هؤلاء تكون أسعارهم أعلى.
لذلك كله نجد أن أكثر المتأثرين هم الشريحة الأدنى من المدرسين التي بالكاد يكفيها دخلها من المدرسة والدروس الخصوصية، والتي تقترب ظروف حياتها من المدرسة والدروس الخصوصية، والتي تقترب ظروف حياتها من ظروف حياة العمال، تأثرت بشدة بإلغاء الدروس وتكون فرصها في إعطائها أكثر محدودية، وبالتالي ينظر هؤلاء المدرسون إلى منع الدروس الخصوصية باعتباره مشكلة حقيقية وينظرون لعودتها أيضًا باعتبارهم مخرجهم الوحيد الذي يسعون له، حتى لو كان ذلك يعني الضغط على الطلبة – الذين يتحولون لفريسة – بشتى الطرق والتنافس فيما بينهم على إعطاء المزيد من الدروس.
وفي سياق السياسات المتخبطة للدولة لإصلاح التعليم اتجهت وزارة التعليم إلى تشجيع مجموعات التقوية كبديل للدروس الخصوصية. فكانت النتيجة أن إدارات المدارس أصبحت عليهم بأي وسيلة لدخول المجاميع. حتى وصل الأمر في بعض المدارس على تحويل المدرس للتحقيق إذا لم يجلب الطلبة لمجموعات التقوية. أما عن أسعار المجموعات فتصل إلى 20 جنيه شهريًا في المتوسط للأربع حصص. ويتم تقسيم إيراد مجموعات التقوية كالآتي: المدرس يحصل على 80% من إيراد المجموعات، والباقي يقسم على إدارة المدرسة، الإدارة التعليمية والوزارة.
وطبقًا لإحصائية أجراها بعض المدرسين – وبالتالي فهذه الأرقام غير مؤكد\ة – يحصل مدير الإدارة التعليمية على حوالي 30 ألف جنيه شهريًا، أما الوزير فيحصل على ما يصل إلى ثلاثة أرباع مليون جنيه شهريًا.
وهكذا، أصبح المدرس في وضع مضطر معه إلى الضغط على الطلبة مستخدمًا في ذلك كل الوسائل الممكنة مهما كانت غير أخلاقية، حيث اكتسبت المجموعات أهمية مزدوجة. من ناحية هو مضطر لها حتى يتجنب المحاسبة، ومن ناحية أخرى أصحبت المجموعات خيار آمن لزيادة دخله في ظل التطبيق عليه في الدروس الخصوصية.
جانب آخر لعملية الإصلاح التعليمي هو الرقابة والمتابعة للمدرسين، حيث يتعرض المدرسون لمتابعة وتفتيش دوريين من قبل لجان المتابعة سواء التابعة للوزراء أو للإدارة التعليمية وهي اللجان التي يعتبرها المدرسون أداة للقمع. ويؤكد المدرسون أن النوعين من اللجان لا يهتموا بالعملية التعليمية نفسها، بل فقط باستكمال دفاتر التحضير والمسائل الشكلية حتى أنه في بعض الأحيان يأتي مفتشون غير متخصصين في المواد التي يفتشون عليها. ويؤكد أحد المدرسين أن لجان المتابعة تهدف لتوقيع جزاءات على المدرسين لأن النقود التي يتم استقطاعها من المدرسين توزع على الإدارة.
ولا تقتصر رقابة الدولة للمدرسين على هذا بل تتعداها إلى الرقابة الفكرية والتي تبدأ منذ دراستهم في الكلية حيث تكون هناك رقابة دائمة على الطلبة وخاصة من يعتنق منهم أفكار لا تتفق مع أيديولوجية النظام الحاكم أو من يمارس العمل السياسي وبالتالي فالطالب الذي يعرف عنه هذا تكون "العين عليه في المدرسة"، هذا بالإضافة إلى قيام أمن الدولة بعمل تحريات عن طلبة كلية التربية بعد التخرج. ويؤكد أحد المدرسين أن هناك تقارير سرية سنوية عن نشاط المدرسين وعلاقاتهم، إلى جانب وجود مدرس تابع للأمن في كل مدرسة لإبلاغ الإدارة التعليمية عن كل ما يحدث.
ويعتبر المدرسون أن منع الضرب في المدارس أدى إلى أن أصبح المدرس على حد قول أحد المدرسين "بيخاف من الطالب" خاصة وأنه تزامن مع رفع أعمال السنة، حيث يرى المدرسون أنهم حرموا من الأدوات التي كانوا يستخدمونها للسيطرة على الطلبة.
وهكذا نجد أن المدرسين يتبنون مواقف أكثر رجعية نتيجة لما يتعرضون له من ضغوط. فبدلاً من أن يقفوا ضد ضرب التلاميذ، نجد أنهم ينظرون للطلبة باعتبارهم العدو الذي فقدوا بسببه هيبتهم وسلطتهم. هكذا أصبح المدرسون يوجهون سخطهم للطلبة بدلاً من أن يتضامنوا مع وضعهم السيئ والمقهور.
إن تطور حركة المدرسين، مع نضال الاشتراكية في صفوفها، هو الذي في مقدوره، بالرغم من كل المصاعب، أن يطهر وعي المدرسين من هذه الميول الرجعية التي تشده للخلف. فالمدرسون – في رأينا – جزء من القوى التي تتفق مصالحها مع الاشتراكيين ومع تحرر الجماهير. ولن تتحقق مصالحهم – حتى في إصلاح أوضاعهم إصلاحًا جزئيًا – بدون أن يحطموا السد الحاجز بينهم وبين الطلاب، وينخرطون في نضال مشترك ضد دولة رأس المال.
لمصلحة من تعمل نقابة المهن التعليمية؟
كغيرها من النقابات المهنية، تجمع نقابة المهم التعليمية في مصر في عضويتها بين الإدارة والمدرسين. وبالتالي فلا يوجد داخلها تعبير حقيقي عن مصالح الغالبية العظمى من المدرسين. حيث يكفل قانون النقابة سيطرة جهاز الدولة البيروقراطي على جميع المستويات النقابية كاللجان النقابية والنقابات الفرعية. ولا يحدد القانون أي نسب عادلة لتمثيل المعلمين والموظفين بالإدارات التعليمية.
وهكذا فالمتتبع لتشكيلات النقابة يلحظ بوضوح سيطرة كبار موظفي الدولة من وكلاء الوزراء ومديرين العموم على مجالس نقابات المعلمين بكل مستوياتها، وفي الغالب يكون مدير التربية في أي محافظة هو النقيب الفرعي للمعلمين. هذا بالإضافة بالطبع إلى ظاهرة النقيب الوزير التي تميزت بها النقابة منذ إنشائها وحتى الآن حيث نجد أن النقيب الحالي مصطفى كمال حلمي رئيس مجلس الشورى قد تولى منصب النقيب بدءًا من عام – 1989 بعد – حصوله على 97% من أصوات الناخبين!! – وحتى الآن. وقد انعكس هذا التنظيم النقابي في عدم قيام النقابة الرئيسية أو النقابات الفرعية بلعب أي دور إيجابي في صالح المدرسين.
في هذا السياق، نجد أن كل المعلمين لا يهتمون بالنقابات، وكثير من النقابات الفرعية تقام فيها الانتخابات بالتزكية. وبالتالي لم تشهد النقابة أي تحركات احتجاجية من قبل المدرسين فيما عدا ما حدث منذ حوالي 7 سنوات عندما قامت حركة نقابية تزعمتها بعض اللجان النقابية الفرعية في الشرقية والغربية. طالب المعلمون من أعضاء هذه اللجان بوضع كادر خاص للمعلمين إسوة بالقضاء والشرطة وغيرها، ومعالجة الرسوب الوظيفي، إلغاء نظام الحوافز المتميزة وتعميم الحوافز على جميع المعلمين وغيرها من المطالب. لكن لم يستطع هؤلاء المعلمون تحقيق أيا من هذا المطالب.
وهكذا فدور النقابة – طبقًا لما يقوله المدرسون – يقتصر على خدمات مثل الرحلات، لإسكان... الخ. وهي الخدمات التي تستفيد منها عدد قليل جدًا من المقربين.
نقابة كهذه للمدرسين أن يمارسوا ضغطًا حقيقيًا عليها فقط في حالات استثنائية، خاصة في حالة تضامنهم وحركتهم الجماعية المنظمة. أي يمكنهم أن يضغطوا عليها إذا ما قاموا في ظل تصاعد حركتهم، بالبدء ففي تنظيم أنفسهم بشكل مستقل وفعال، كما ينظم أصحاب المدارس الخاصة أنفسهم في لوبي يفرض مصالحه على أجندة الدولة والوزارة.
المدرس والطالب والرأسمالية
إن الزيارة الهائلة في أعداد المدرسين وخضوعهم التام لإدارة وسلطة الدولة وأصحاب المدارس الخاصة، قد أديا على وضع مماثل تقريبًا لوضع الطبقة العاملة من حيث الأجر وشروط العمل. ولكن خصوصية وضع المدرسين تنبع من أن دورهم في المجتمع أصبح متناقضًا. ففي الأصل، يهدف المدرس إلى تطوير إمكانيات ومعرفة طلابه. ولكن الرأسمالية المصرية تريد شيئًا آخر؛ تريد ربط التعليم أكثر وأكثر بالسوق الرأسمالي لتلبية احتياجات أصحاب العمل من الأيدي العاملة المدربة. هذا – خاصة في ظل أزمة التعليم وتخبط سياساته – يخضع المدرس لضغوط عنيفة تشده للوراء وتضعه في مواجهة مع طلابه. فقد أعطت الزيادات المتتالية في ميزانية التعليم في سنوات التسعينات الفرصة بالدولة أن تطيل العام الدراسي، وتلغى نظام الفترات، وتطيل اليوم الدراسي، وتزيد الفصول، وتقلل من نسبة التسرب من التعليم إلى حد ما. كل هذا يريد من عبء ووقت العمل للمدرس خاصة وإن التوسع في ساعات التعليم وعدد الطلاب لم تقابلهما زيادة مماثلة في عدد المدرسين ولا في أجورهم. وفي المقابل انتزعت من المدرسين كل حرية ومرونية في التعبير عن قدراتهم وإمكانياتهم في تعليم الطلاب، وأصبحوا مجرد أدوات في يد الدولة والإدارة: ألغيت أعمال السنة، اتخذ قرار بإخضاع تقييم المدرس والمدرسة (مع ما يعنيه هذا من توزيع للإعارات والترقيات) لنتائج الامتحانات، أصبحت الامتحانات المركزية هي جوهر العمالية التعليمية، والمعيار الرئيسي للانتقال إلى السنوات اللاحقة بما يعنيه هذا من إذكاء للمنافسة ومن قمع الطلاب.
وهكذا وضع المدرسون في مواجهة الطلاب، وذلك بسبب سياسة الدولة. وأصبح المدرس يرى في الطالب مشكلة إدارة وليس أنسانًا ينبغي تعليمه وترقية مداركه. وأصبح الطالب يرى في المدرس عقبة في سبيل نجاحه. وهذا ما يجعل المدرس – خاصة في ظل ظروفه الاقتصادية السيئة – يندفع في اتجاه الدروس الخصوصية. ولذلك فلن تحل مشكلة الدروس الخصوصية بالتجريم أو بالقمع، وإنما بتحطيم نظام التعليم الذي يقوم على الامتحانات التنافسية وهو في الحقيقة نظام يستبعد الطالب الأفقر أو الأقل كفاءة – الذي يحتاج لمجهود أكبر من المدرس – واستبداله بنظام يعيد العملية جوهرها وهو توسيع المدارك والمعارف.
هل يمكن أن يولد هذا النظام الجديد في ظل سيطرة سياسات السوق الحر التي لا تهتم بالتعليم إلا من وجهة نظر سوق العمل؟ هذا غير ممكن. وهذا ما يطرح ضرورة أن يواجه كل من المدرس والطالب هذا النظام الذي يعمل في غير صالحهما. فالمواجهة بين الطالب والمدرس لن تؤدي إلى تحقيق مصلحة أي من الطرفين. ما الذي سيجنيه المدرس أن أعيد الضرب في المدرسة؟ ستزيد سلطته على الطالب، نعم. ولكن هل ستزيد سلطته على عمله؟ هل سيؤدي هذا إلى زيادة قدرته في مواجهة سياسات الدولة التي تعمل ضده؟ بالطبع لا.
لا ينبغي، أن ننظر للأمر كموعظة للمدرس. فلولا أن مصلحة المدرس الحقيقية تكمن في التضامن مع مضطهدي ومستغلي المجتمع، ولولا أن مصلحته الحقيقية هي فو وجود نظام تعليمي مختلف يطلق طاقات الأطفال والشباب الصغار ويفجرها، لولا ذلك لما أمكن أن نتحدث عن إمكانية إنهاء المواجهة بين الطالب والمدرس. هذه الإمكانية ستبرز وتتصاعد مع تصاعد معارك المدرسين ضد نظام يسلبهم حريتهم ويستغلهم. وعلينا نحن – الاشتراكيون الثوريون – وقتها أن نتعلم كيف نطور الجانب التقدمي الإيجابي من وعي وحركة المدرسين، وأن نواجه الجانب السلبي في حركتهم.
عدل سابقا من قبل elfnan في الإثنين أغسطس 26, 2019 3:35 pm عدل 1 مرات | |
|
محمود حلاوة
عدد المساهمات : 53 تاريخ التسجيل : 06/12/2009
| موضوع: رد: أوضاع معلمي المدارس في عهد السوق الحر الأربعاء ديسمبر 09, 2009 2:06 pm | |
| هما كل اللى جننهم الدروس الخصوصيه طاب يطورا التعليم الاول | |
|